إقبال التميمي

Tuesday, February 21, 2006

شن ران أديبة جيل الصين الجديد


إقبال التميمي
كتابها الأخير نساء الصين الطيبات يمثل مجموعة من القصص القصيرة مبنية داخل سيرتها الذاتية تكشف من خلاله عن الحياة الحقيقية لنساء الصين "في الريف السماء عالية والامبراطور بعيد" أي أن القانون ليس له سلطة هناك. كان الفلاحون يخشون فقط من السلطات
المحلية التي كانت تسيطر على مواردهم من المبيدات الحشرية، والأسمدة، والبذار، وأدوات الزراعة
أترجم من كتاب زن ران " نساء الصين الطيبات" بضع صفحات تعبّر عن وضع المرأة العاملة في الصين في مجال الإعلام، لأن كتابها
جمع بين سيرتها الذاتية وقصص نساء صينيات أخريات أفضين لها بأسرارهن وعبرن عن آلامهن ومشاعرهن. تقول زن ران: .. في وقت مبكر من أحد أيام ربيع عام 1989، ركبت دراجتي الهوائية عبر شوارع نانجنغ وأنا أفكر بابني بان بان. كانت البريعمات الخضراء قد بدأت تظهر على الأشجار، وسحابات من أنفاس متجمدة تغلف راكبي الدراجات. هفهفت وشاحات النساء الحريرية في الرياح الربيعية، كل شيء تداخل مع تفكيري بابني. أنشأته بمفردي دون مساعدة رجل، ولم يكن من السهل عليّ الاعتناء به حيث أنني أم عاملة. مهما كانت الرحلة التي أذهب فيها، بغض النظر إن كانت قصيرة أو طويلة، حتى لو كانت مجرد مشوار صغير للعمل كانت روحه ترافقني وتمنحني الشجاعة. صاحت إحدى زميلاتي " هاي.. ايتها المذيعة المشهورة.. انتبهي اين تذهبين" كنت عندها على وشك أن أفقد اتزاني أثناء دخولي الى مجمع مبنى الإذاعة والتلفزيون حيث أعمل.وقف اثنان من رجال الشرطة المسلحين على البوابات. أريتهم تصريح عبوري. وبمجرد دخولي كان علي أن أواجه المزيد من الحراس المسلحين في مداخل المكاتب والاستوديوهات. كانت اجراءات الحراسة في محطة البث في منتهى التشدد وكان العاملون يشعرون بالقلق الشديد من الحرس. حيث تناقل البعض قصة حارس جديد غط في النوم أثناء مهمته الليلية وعندما أيقظه زميله غضب إلى درجة أنه قتل الزميل الذي أيقظه.كان مكتبي في الدور السادس عشر من المبنى الحديث المكون من واحد وعشرين دوراً. لكنني كنت أفضل أن أصعد السلالم بدلاً من مغامرة الصعود بالمصعد الذي كان يتعطل كثيراً. عندما وصلت إلى مكتبي اكتشفت أنني نسيت مفتاح الدراجة في القفل. شعر أحد الزملاء بالشفقة عليّ واقترح أن يذهب ليتصل هاتفياً بحارس البوابة. لم يكن هذا الأمر سهلاً لأنه لم يتوفر في ذلك الوقت جهاز هاتف لأي موظف صغير وكان على زميلي أن يذهب الى مكتب مدير القسم من أجل الاتصال. في النهاية أحضر لي أحدهم المفتاح مع البريد. وسط الكوم الكبير من الرسائل لفتت نظري فوراً رسالة كان مغلفها مصنوع يدوياً من غلاف كتاب وكانت قد التصقت به ريشة دجاجة. وحسب التراث الصيني ريشة الدجاجة إشارة لوجود حالة خطر شديد.كانت الرسالة مرسلة من قبل ولد صغير يعيش في قرية تبعد حوالي 150 ميلاً من نانجنغ. كتب في رسالته:المحترمة زن ران،أستمع لكل حلقة تبث من برنامجك. في الحقيقة جميع من في القرية يحبون الاستماع لبرنامجك. لكنني لم اكتب لك هذه الرسالة لأقول لك كم هو برنامجك جيد، بل كتبت لك لأفضي لك بسرّ. قد لا يكون سراً في الواقع لأن كل من في قريتنا يعلم أن هناك رجل عجوز في الستين من عمره اشترى مؤخراً زوجة. تبدو الفتاة صغيرة جداً وأظن أنها مختطفة، هذا يحدث كثيراً في منطقتنا هنا، لكن معظم الفتيات يتمكنّ من الهرب لاحقاً. يخشى الرجل العجوز أن تهرب زوجته لذلك قيدها في سلسلة حديدة تلتف حول جسدها. والسلسلة الحديدية الثقيلة والغليظة سلخت محيط خصرها والدماء تقطر من خلال ملابسها وأظن ذلك سيقتلها، لذلك رجاء انقذيها. ومهما يكن لا تذكري ما قلته لك في الإذاعة. إذا اكتشف الفلاحون الأمر سيقومون بطرد عائلتي. أتمنى أن يستمر برنامجك بالتحسن أكثر وأكثر.مستمعك المخلصزانغ زياوشوان
كانت تلك أكثر الرسائل التي سببت لي الضيق منذ بدأت بتقديم برنامجي المسائي عبر الإذاعة " كلمات مع نسيم الليل" الذي كان قد بدأ منذ أربعة شهور خلت. أثناء عرض البرنامج ناقشت مواضيع كثيرة ومتنوعة حول مواضيع الحياة اليومية واستخدمت أساليبي الخاصة لكسب ثقة المستمعين، واقترحت أساليباً مختلفة لمواجهة صعوبات الحياة. قلت للمستمعين في أول حلقة أثناء تقديم نفسي لهم أن اسمي زن ران.. وأن معناه "بكل سرور". كتب زو زيكينغ قصيدة عن الربيع قال فيها: " بكل سرور تفتح الطبيعة عينيها على الأشياء الجديدة". كان البرنامج تجربة جديدة بالنسبة للجميع بما فيهم أنا نفسي. كنت قد بدأت للتو بالعمل كمذيعة وكنت أحاول أن أقوم بعمل شيء لم يكن قد قدمه أحد في الإذاعة من قبل.منذ عام 1949 والإعلام يعمل بكافة فروعه كصوت للحزب، الإذاعة حكومية، والصحف حكومية، والتلفزيون كذلك. وكانوا جميعاً المصدر الوحيد للمعلومات التي يمكن للشعب الصيني الاطلاع عليها، وصوتهم جميعاً كان متشابهاً. الاتصال والتواصل مع أي كان في الخارج كان مستحيلاً ومجرد الفكرة كانت أقرب للخيال. عندما بدأ دنغ زياوبنغ عملية الانفتاح البطيئة في الصين عام 1983 كان هناك احتمال إن كان الصحافي شجاع أن يحاول القيام ببعض التغييرات في أسلوب تقديم الخبر، كما كان هناك أمر أشد خطورة وهو محاولة مناقشة أمور شخصية من خلال الإعلام. في برنامج " كلمات مع نسيم الليل" كنت أحاول أن أفتح نافذه صغيرة أو ثقب صغير تستطيع من خلاله أرواح الناس التنفس والصراخ بعد فترة معبقة برائحة ملح البارود الذي انتشر في الأجواء خلال أربعين عاماً مضت.قال الكاتب والفيلسوف لو زون مرة " أول شخص تذوق طعم الجمبري مؤكد أنه جرب طعم العناكب لكنه أدرك أنه ليس مستساغاً لأن يؤكل" وأثناء انتظاري لمعرفة رد فعل المستمعين تجاه البرنامج تساءلت إن كان مذاق برنامجي بنكهة الجمبري أم العنكبوت، لكن عدد الرسائل المفعمة بالحماس التي كنت أجدها مكومة على مكتبي يومياً أكدت لي أن طعم برنامجي بنكهة الجمبري.الرسالة التي وصلتني من الصبي الصغير زانغ زياوشوان كانت الرسالة الأولى التي طلبت مني المساعدة بشكل عملي ومباشر ووضعتني في عالم من الحيرة والاضطراب. قمت بإعلام مدير قسمي وسألته أن ينصحني ماذا أفعل. اقتراح دون اكتراث أن أتصل بلجنة الأمن القومي المحلية فقمت بالاتصال بهم وأخبرتهم بقصة زانغ زياوشوان.طلب مني الشرطي الذي أجاب على مكالمتي الهاتفية بأن أهدأ وقال " مثل هذه الأمور تحصل كثيراً وإذا كانت رد فعل كل شخص مثل ردة فعلك لكنا هلكنا من شدة العمل، وأخبرني أن القضية ميؤوس منها، وأن هناك أكواماً من التقارير لديهم بينما موارد الشرطة البشرية والمالية شحيحة، وقال لي لو كنت مكانك لاتخذت جانب الحذر خشية الانغماس في مثل هذه القضايا، وأردف مثل هؤلاء الفلاحين لا يخشون شيئاً وقال لو ذهبنا هناك سيحرقون سياراتنا ويعتدون على موظفينا بالضرب. سوف يتمادون إلى درجة لا يمكن تخيلها حتى يتأكدوا تماماً أن حدودهم العائلية لا يمكن اختراقها.قلت له.. إذاً، هل تحاول أن تقول لي أنك لا تنوي فعل شيء ولن تكون مسؤولاً عن هذه الفتاة وما يمكن أن يحصل لها؟قال: " لم اقل أنني لن أفعل... لكن "لكن ماذا؟ليس هناك من داعي للاستعجال يمكن معالجة الموضوع بالتدرج مرحلة مرحلةلا يمكنك أن تدع إنسان يموت مرحلة مرحلة. ضحك الشرطي وقال:" لا عجب أنهم قالوا أن رجل الشرطة يكافح الحرائق وأن الصحافيون يضرمونها.. ماذا قلت أن أسمك.. مرة أخرى؟قلت من خلال أسناني المصطكّة زن.. رانآه.. نعم.. زن ران اسم جيد، حسناً يا زن ران تعالي هنا سأساعدك. بدا وكأنه يقدم لي معروفاً بدلاً من القيام بواجبه.ذهبت إلى مكتبه مباشرة ، كان رجل شرطة صيني تقليدي صارم.قال " في الريف السماء عالية والامبراطور بعيد" كان في رأيه أن القانون ليس له سلطة هناك. كان الفلاحون يخشون السلطات المحلية فقط التي كانت تسيطر على مواردهم من المبيدات الحشرية، والأسمدة، والبذار، وأدوات الزراعة.كان الشرطي على حق، في نهاية الأمر كان رئيس توريد المواد الزراعية للقرية هو من استطاع انقاذ الفتاة حيث هدد الفلاحين بقطع امداداتهم من السماد إذا لم يطلق سراحها.اصطحبني للقرية ثلاثة من رجال الشرطة في سيارتهم، وعندما وصلنا القرية كان على مختارها أن يخلي لنا الطريق من الفلاحين الذين كانوا يلوحون لنا بقبضات أيديهم في الهواء ويلعنوننا. وجدنا أن الفتاة كانت في الثانية عشرة من العمر فقط، أخذناها من الرجل العجوز الذي كان يصيح ويسبّنا ويلعننا بكل مرارة. لم أجرؤ أن أسأل عن تلميذ المدرسة الذي كتب لي الرسالة رغم أنني أردت أن أشكره لكن الشرطي أخبرني أنه إذا علم الفلاحون أنه هو الذي أبلغ عن الفتاة قد يقتلونه هو وأفراد أسرته.بعد أن شاهدت سلطة الفلاحين بدأت أتفهم كيف استطاع ماو أن يهزم تشاينغ كاي شيك وأسلحته البريطانية والأمريكية.أعيدت الفتاة إلى أهلها في زينينغ في رحلة قطار مدتها 22 ساعة من نانينج بصحبة رجل شرطة وشخص مندوب عن الإذاعة واتضح أن أهلها اضطروا لاقتراض مبلغ 10.000 يوان للبحث عنها. لم أتلق أي تشجيع أو تقدير على انقاذ الفتاة، كل ما تلقيته هو الانتقاد على تحريك رجال الشرطة، وإثارة الناس، وإضاعة وقت محطة الإذاعة ومالها. فوجئت بهذه الشكاوي والاعتراضات. الفتاة كانت في خطر ومع ذلك نظروا لمهمة انقاذها على أنها إرهاق للناس وامتصاص لأموال الخزينة.. هل هناك ثمن لحياة المرأة في الصين؟ بدأ هذا السؤال يطاردني. معظم من كتبوا لي الرسائل كانوا من النساء،ومعظم الرسائل كانت بتوقيع من مجهول، وغالبية المواضيع التي احتوتها رسائلهن سببت لدي صدمة قوية لأنني كنت أظن أنني كنت أفهم نساء الصين، لكن من خلال قراءة رسائلهن أدركت إلى أي مدى كنت مخطئة في افتراضاتي. كانت النساء تعيش أساليب حياة وتكافح في خضم مشاكل لم اكن أحلم فيها. معظم الأسئلة التي وجهنها لي كانت حول الجنس والعاطفة. إحدى النساء أرادت أن تعرف لماذا يخفق قلبها أسرع عندما ترتطم بالصدفة برجل أثناء وجودها على حافلة.امرأة أخرى أرادت أن تعرف لماذا كانت تتصبب عرقاً عندما يلمس يدها رجل. كان النقاش حينها ممنوع حول أي أمر متعلق بمواضيع جنسية، وأي اتصال جسدي بين رجل وامرأة غير متزوجين كان يؤدي إلى الشجب العلني وقد تكون نتيجته السجن. حتى الحديث بين الزوج والزوجة على الوسادة كان يعتبر دليلاً على تصرف شاذ، وفي النزاعات العائلية هدد الناس بعضهم غالباً بأن يشوا ببعضهم إلى الشرطة على أساس أنهم تورطوا بهذا. نتج عن ذلك جيلين من الصينيين يتمتعون بمقدار كبير من الاضطراب والتشويش. أنا شخصياً كنت جاهلة الى درجة أنني كنت في الثانية والعشرين من العمر ورفضت أن أضع يدي في يد مدرّس في حفل لأنني خشيت أن أحمل من لمس كفه. سوء فهمي كان مصدره سطر من كتاب قرأته يقول " أمسكا بأيدي بعضهما البعض تحت نور القمر.. وبحلول الربيع كان لديهما طفل ذكر" وجدت نفسي أريد معرفة المزيد حول علاقات النساء الصينيات الحميمة وقررت أن أبدأ بالبحث في الخلفيات الثقافية المختلفة. أردت أن أتحدث عن مشروعي الجديد هذا مع أحد وأول من حدثته تشن الرجل العجوز لأنه صحافي منذ فترة طويلة وآراؤه محترمة، حتى أنه يقال أن عمدة نانجنغ جاءه ليطلب منه النصيحة. كثيراً ما استشرته في شؤون عملي، ليس فقط بسبب إخلاصه لكن للاستفادة من خبرته الطويلة أيضاً. مع ذلك هذه المرة فاجأتني ردة فعله إذ هز رأسه الذي كان أصلعاً الى درجة يصعب معها تحديد مكان انتهاء حدود فروة الرأس من بداية وجهه، رد علي بالقول كم أنت على نياتك! يعتبر الصينيون أن الصلع علامة حكمة. لكن هل كنت مخطئة؟ لماذا اعتبرني بلهاء وعلى نياتي إذ أردت أن أفهم النساء الصينيات؟ أخبرت صديق لي يعمل في الجامعة حول تحذير تشن العجوز فسألني هل زرت مرة مصنع كعك؟ أجبته باستغراب ، لا.. حسناً.. أنا فعلت، لذلك لا آكل الكعك على الاطلاقاقترح عليّ أن أزور مخبز لأفهم ما يقصد، وحيث أنني عديمة الصبر بطبيعتي لم أنتظر طويلاً. في الخامسة من صباح اليوم التالي كنت في طريقي لزيارة مخبز صغير لكن سمعته طيبة. لم أكن قد أعلمتهم بزيارتي مسبقاً، لأنني لم أتوقع أن أواجه أي صعوبات، حيث يطلقون على الصحافيين في الصين تعبير " ملوك بلا تيجان" لأنهم يملكون حق الدخول إلى أي مؤسسة في البلاد تقريباً. لم يعلم مدير المخبز سبب حضوري لكنه كان معجباً بإخلاصي لعملي، قال إنه لم ير في حياته صحافي يصحو مبكراً بهذا الشكل ليجمع مادته الصحافية. لم يكن الصباح قد تنفس بعد، وتحت الأضواء الخافتة في المصنع كانت سبع أو ثماني عاملات يكسرن البيض في طشت عميق أثناء تثاؤبهن وكن يسلـّكن أزوارهن بصوت مقرف. أزعجني صوت بصاقهن. تغطى وجه إحدى النساء بصفار البيض وأغلب الظن أن سبب ذلك أنها كانت تمسح أنفها وليس لأنها تقوم بعمل قناع تجميل. راقبت رجلين يضيفان الألوان الصناعية والمنكهات للعجين المفرود الذي كان قد تم تحضيره قبل بيوم. أضيف البيض الى الخليط وسكب بعد ذلك في قوالب معدنية تسير على حزام كهربائي متحرك. وعندما خرجت القوالب من الفرن قامت حوالي اثنا عشر امرأة بتغليف الكعك في صناديق، بينما كان الفتات ظاهراً على زوايا أفواههن.عندما غادرت المصنع تذكرت شيئاً كان قد قاله لي أحد الزملاء الصحافيين. قال لي أن اقذر الأماكن في الدنيا ليست المراحيض، ولا المجاري، لكنها مصانع الأغذية ومطابخ المطاعم. قررت حينها أن لا آكل الكعك طيلة حياتي. لكنني لم أستطع أن أفسر العلاقة بين ما رأيته وبين تساؤلي حول فهم المرأة.اتصلت بصديقي الذي بدا خائب الأمل لقلة فهمي للأمور. قال " لقد رأيتِ ما مرّت به الكعكات الناعمات الجميلات لتصبح ما انتهت اليه، لو رأيتها في المتجر فقط لما كنتِ عرفت شيء. رغم انك رأيت ما يحصل في المخبز، ومدى سوء إدارته، وكيف يتعارض ما يجري فيه مع شروط الصحة العامة، هل تعتقدين حقاً أن يتوقف الناس عن شراء الكعك؟ نفس الشيء ينطبق على المرأة الصينية، حتى لو استطعت دخول بيوتهن وذكرياتهن هل كنت ستستطيعين أن تحكمي أو تغيري القوانين التي يعشن بها حياتهن؟ إضافة إلى شيء آخر.. ما هو عدد النساء اللواتي سيتنازلن عن كرامتهن واحترامهن لأنفسهن بالتحدث اليك عن خصوصياتهن؟ أخشى أن زميلك كان رجلاً حكيماً.
نساء الصين الطيبات كتاب يحتوي قصصاً مرعبة حول تصرفات لا إنسانية يقوم بها الرجال تجاه النساء، كما يحوي قصصاً حول قسوة المرأة تجاه المرأة أيضاً، كما أورد الكتاب قصصاً حول تأثير السياسة على الحياة الشخصية لمئات البشر.زن ران إعلامية من الصين، نشرت أولى قصائدها في سن الخامسة عشرة، ونشرت بعدها عدد من القصص القصيرة والقصائد. بعد إنهاءها دراستها الثانوية أكملت تعليمها في جامعة عسكرية حيث درست العلاقات الدولية البريطانية، وعملت كمدنية في السلك العسكري وعملت قبل أن تنتقل إلى انجلترا مقدمة برامج إذاعية في إذاعة الصين. في نهاية سنوات الثمانينيات وبعد حوالي خمس سنوات من بداية الانفتاح على العالم أثناء فترة حكم دنغ زياو بنغ، وبالذات عام 1989 بدأت زن ران برنامجاً إذاعياً يبث في المساء اسمه " كلمات مع نسيم المساء" كان البرنامج خليط من الموسيقى والحوارات. حاولت جاهدة حتى أقنعت رؤساءها في العمل ، ورؤساءهم ، ورؤساء رؤساءها أن يتضمن برنامجها فقرة صغيرة من رسائل النساء اللواتي يروين قصصهن. تقول أن هدفها كان أن تتفهم المرأة الصينية.. ماذا تريد، وما هي أمالها، وبماذا تؤمن، وما الذي مرّ على حياتهن من ظروف أثناء سنوات الثورة التي شكلت قفزة كبيرة وتحول اجتماعي وثقافي مشهود.بدأت النساء بإرسال الرسائل اليها، وبدأن يتصلن بالبرنامج ليحدثنها بشكل سري عن قصصهن وتجاربهن، وكانت زن ران تأخذ تلك القصص وتضيف عليها من سيرتها الذاتية وتعيد سرد تلك القصص بقالب جديد، ومن خلال هذه التجربة ازدادت شعبيتها، وزادت جرأتها في الطرح.القصص الواقعية التي كانت ترويها كانت تفطر القلب من الحزن والتأثر، وكثيراً ما بكت هي شخصياً نتيجة لصدق المعاناة، خصوصاً أنها أجرت مقابلات مع ضحايا العنف والإيذاء الجسدي والجنسي المتكرر، وخصوصاً الأطفال الذين اغتصبوا من قبل أفراد العصابات، ونساء ذكيات تم تزويجهن قسراً لرجال لا يصلحون لهن على الإطلاق، وأمهات فقدن أطفالهن في أسوأ ظروف يمكن أن يتخيلها إنسان، وأطفال فقدوا عقلهم وفقدوا والديهم. كانت قصصها تحوي النزر اليسير من التفاؤل حيث لم يكن في تلك القصص ما يشير إلى وجود نافذة للأمل في مثل تلك الظروف.لكن لحسن الحظ استطاعت ان تقدم لهؤلاء شيئاً من خلال كشف الحقائق، كما أنها وبعد انتقالها لى لندن ساهمت في مساعدة الأطفال الذين فقدوا أبويهم من خلال تأسيس ملجأ للأيتام في تانغ شان، والجميل في هذا الملجأ أن السيدات اللواتي يقمن على رعاية الأيتام فيه كن أمهات فقدن أطفالهن في زلزال حصل أثناء أواسط سنوات السبعينيات.تقول الناقدة ليزا جي أنه رغم إخلاص زن ران الشديد وصدق مشاعرها إلا أن قصصها تبدو احياناً غير معقولة لسببين: الأول أن جميع القصص التي وردت كانت قد مرّت اولاً بعقل زينران وتفاعلت معه وبعدها مرّت بمرحلة لترجمة تلك المشاعر بحيث ذابت فردانية الصوت النسائي وتماهت في تعقيباتها من خلال تداخل مشاعرها. وعملية تفسيرها لتلك المشاعر هي أشبه ما يكون بتعليمات تخبرنا من خلالها كيف علينا أن نشعر، وكيف يجب أن تكون ردة الفعل لدينا، والقاريء بكل صراحة ليس بحاجة لمثل هذه الإشارات. ثانيا:ً الخلط بين قصص هؤلاء النسوة وبين سيرتها الذاتية لم تكن فكرة مجدية إذ أن حياتها الخاصة تخلو من الدهشة ولا يوجد فيها ما هو مميز، لكنها في النهاية صنعت الدهشة من خلال نشر كتاب بدلاً من كتابين ضم بين دفتيه قصص نساء الصين الطيبات وسيرتها الذاتية معاً، وبذلك قدمت لنا زن ران نفسها ودون أن تشعر كبطلة في كل قصة من القصص التي روتها حول الآخرين.أهمية تجربة زن ران التي امتدت ثماني سنوات تكمن في تقديم برنامج اختصر قرون من الطاعة والامتثال للآباء والأزواج والأبناء متبوعة بسنوات من الأزمات السياسية أدت إلى ارتعاد النساء خوفاً من التحدث بحرية عن مشاعرهن لكن زن ران استطاعت الفوز بثقتهن من خلال تعاطفها وقدرتها على الانصات، وساعدتهن على أخذ قرار البوح.يقول الناقد تيري هونغ أن كتاب زن ران عبارة عن خليط من الذكريات والتاريخ والتراجيديا والديمقراطية الاجتماعية، مما جعل الكتاب بحد ذاته شكل من أشكال التحدي من خلال مروره عبر ألغام القيود والممنوعات والمحظورات المفروضة على الإعلاميين الصينيين. ومن خلال استطاعتها أن تصل بصوتها إلى جميع أصناف النساء في مناطق الصين المترامية الأطراف، مما غير من طريقة تفكيرها هي شخصياً حول نظرتها للصين مما دفعها بكشف هذا العالم المجهول عن النساء الصينيات من خلال الكتابة للعالم الغربي كما لم يفعل أحد من قبل.كتابها شكل أهمية في حياتها الى درجة أنها كادت تفقد حياتها دفاعاً عنه وذلك بعد أن انتقلت من الصين الى بريطانيا عام 1999 حيث تعرضت للسرقة في طريق عودتها الى البيت من جامعة لندن حيث كانت تقوم بالتدريس، صارعت السارق بيأس رافضة أن تسلمه حقيبتها التي احتوت النسخة الأصلية الوحيدة من الكتاب، رغم أنها تعترف الآن أن الكتاب لا يستحق أن يخسر المرء حياته من أجله، رغم أن الكتاب حسب قولها كان لا يشكل معنى لحياتها فقط ولكنه كان أيضاً شهادة على حياة كل نساء الصين اللواتي صمتن لفترة طويلة جداً. حيث كشفت من خلاله حوادث الاعتداء على المحارم والاغتصاب والاختطاف والقسوة والعنف والمعاناة والتعذيب والاهمال. من ضمن ما كتبته قصة فتاة صغيرة لم يكن أمامها من طريق للهروب من اعتداء والدها الجنسي الوحشي المتكرر عليها سوى اختيار الموت البطيء في مستشفى. كتبت عن أمهات فقدن جميع أفراد أسرهن في الزلازل والهزات الأرضية العنيفة، واللواتي أعدن بناء عائلات من الأيتام الذين بقوا على قيد الحياة. كما كتبت عن نساء قرويات تعج حياتهن بأنواع المعاناة يعملن طيلة النهار من بزوغ الشمس حتى غروبها في الحقول وبعدها يقمن بخدمة الرجال خصوصاً في بعض أقاليم الصين حيث تكون المرأة زوجة مشتركة لعدد كبير من الذكور حيث تكون حاملاً بشكل شبه متواصل سنة بعد أخرى، متعتها الوحيدة الحصول على بيضة مخلوطة بالماء والسكر عند ولادتها لذكر ومع ذلك السخرية والغرابة تكمن في أن هؤلاء النسوة هن النساء الوحيدات اللواتي يعتقدن انهن أكثر النساء سعادة في العالم على الإطلاق.وبعد أن نشر كتابها في 50 دولة وبـ 22 لغة سئلت عن كيفية وصولها الى ما وصلت اليه فقالت: عملت كعاملة نظافة في متجر، وقمت بتدريس اللغة الصينية، وعملت كصحافية غير متفرغة، كما عملت كمعلق صوتي في شركة انتاج التلفزيون الصيني لأنني أردت أن أتعلم وأتمرن على اللغة الإنجليزية من عدة طرق وعدة مستويات.كنت مهتمة ان أتعرف على كيفية معيشة المرأة الصينية في الخارج،ماذا تعمل لتعيش وكيف تتدبر أمورها في الخارج.السبب الحقيقي لكتابتي هذا الكتاب أن هناك سمعة عن النساء الصينيات أنهن عديمات المشاعر وباردات الإحساس، لا لون ولا طعم لهن، وهذا أحزنني كثيراً، قابلت بين 1989 و 1997 أكثر من 200 امرأة من مدن وريف الصين وجهاً لوجه حيث الحياة كما هي لم تتغير منذ 500 عام، وأنا أؤكد أن المرأة الصينية تنعم بطيف من الألوان ولديها مشاعر جياشة لكن كان عليها أن تعيش بطريقة مختلفة عما تشعر به لأن الثقافة الصينية ثقافة سلبية تعتمد على الاختباء.لهذا اخترت هذا الاسم لكتابي، فعندما تأتي النساء إلى الدنيا يردن ان يكن نساء طيبات، ابنة طيبة، وزوجة طيبة، وصديقة طيبة وحبيبة طيبة لكن بسبب ثقافتنا الصينية يتقمص غالبية النساء الصينيات شعور بالدونية والنقص تجاه أنفسهن. في عام 1995 قمت بفتح اربعة خطوط هاتفية لأتلقى إجابات على سؤال طرحته على الرجال وهو هل قابلت في حياتك امراة طيبة، وصلني اكثر من الف رسالة كردود من الرجال، عدد قليل جداً منهم قال انه قابل امرأة طيبة على الإطلاق في حياته، معظم الرجال قالوا انهم لم يقابلوا في حياتهم امرأة طيبة وبما ان هؤلاء كتبوا لي رسائل هذا يعني أنهم متعلمون، فإذا كان هذا هو شعور المتعلمين منهم، فكيف بالجهلة. طرحت سؤال على الرجال عن مواصفات المرأة الطيبة فكانت إجاباتهم أن تكون هادئة، لا تخرج من المنزل أبداً ولا تكون جريئة أو منفتحة مع الرجال. وأن تنجب للعائلة ابناً ذكراً، وأن تكون دائماً ناعمة وأن لا تفقد أعصابها مهما حصل. وأن لا تخطيء أبداً في أعمال المنزل.. أن لا تحرق الطعام أثناء الطهي، أو تخلط الملابس ذات الألوان المختلفة أثناء الغسيل، وأن تكون ممتعة في الفراش وأن تبقي على قوامها رشيقاً.فهل أنت امرأة طيبة بناء على هذه المواصفات..؟تقول زن ران مقياس المرأة الطيبة يختلف عن هذا الميزان، إن لم ننظر إلى أنفسنا نظرة دونية فنحن نساء طيبات. إن كنا نعرف كيف نحب ونُحَب وكيف نشعر تجاه الآخرين فنحن نساء طيبات.لكن حسب المقاييس الصينية لسنا طيبات. فأنا منتجة برامج تلفزيونية، وكاتبة، ومستشارة لعدة شركات أجنبية لكنني عندما أعود للمنزل وأرى زوجي يطبخ العشاء أشعر أنه يجب علي أنا أن أقوم بذلك فأنا المرأة وأنا الزوجة، إن كنت أنا المتعلمة ما زلت أستصعب فكرة كسر هذا الأسلوب من التفكير فكيف ببقية النساء اللواتي لم يحظين بمثل تعليمي.
iqbasl@yahoo.com

© 2010 by Iqbal Tamimi



Tweet This!

0 Comments:

Post a Comment

<< Home