إقبال التميمي

Saturday, September 25, 2010

قصة قصيرة من الأدب الإيراني الحديث








قصة قصيرة من الأدب الإيراني الحديث

دميتي الزجاجية

من تأليف هوشانغ غولشيري
Hushang Golshiri

ترجمة إقبال التميمي

تقول أمي أنه سيأتي، لكنني أعلم أنه لن يفعل. لو كان سيحضر لما بكت أمي، أليس كذلك؟
أتمنى لو كنتِ تستطيعين الرؤية. لا، بل أتمنى لو لم أستطع رؤية ذلك أنا أيضاً.. .
ماذا افعل إن كان شعرك أشقر؟
انظري، أمي كانت تجلس هكذا. اسحبي ساقيك للخلف وضعي يديكِ على جبينك. لن تستطيعي عمل ذلك. كان كتفاها يرتعشان، هكذا. وكانت الصحيفة ملقاة على الأرض أمامها.
لا أستطيع البكاء مثل أمي. لكن والدي بالتأكيد يستطيع فعل ذلك. وخالي ناصر يستطيع أن يفعل ذلك إذا شاء.لهذا الكبار هم كبار، يقولون دائماً " لا تبكي يا مريم"، أو لا أدري ماذا يقولون، مثلاً يقولون " لماذا أخذتِ عود ثقاب يا بنت؟" ماذا يهم إن كنت قد فعلت ما دمت لم أشعل حريقاً. هل قمتُ بفعل ذلك؟ كان والدي لطيفاً لم يقل أبداً " لا تفعلي"، لكن.. لماذا قال " لا أريد أن أرى مريم باكية؟" فأنا أريد البكاء، رغم أنني أعلم أنني يجب أن لا أفعل. هل تبكي الدمى أيضاً؟ أنا أعرف أنك لا تستطيعين البكاء مثل أمي و جدتي وخالي ناصر. لو كنت تستطيعين.. لماذا لم تبكي عندما كسرت مهيري الشقية دميتي؟ أعني دميتي الزجاجية. جلست ِ فقط ونظرت ِ إليها كما تفعلين الآن. هل رأيت ِ كيف بكيتُ؟ قالت جدتي " لا تبكي يا مريم، لقد أعطيت لعبتك لتشيني باندزان
( الشخص الذي يصلح اللعب المصنوعة من زجاج الصيني) لإصلاحها.
سألتها " ماذا سيحصل بعد ذلك؟"
أجابت " ستصبح كما كانت عندما اشتريتها"
فقلت " لا، لا أريد ذلك. ستشبه عندها ابريق الشاي"
قال أبي " ان توقفت ابنتي عن البكاء سيبتاع لها بابا دمية أخرى كبيرة"
حسناً أنه لم يفعل. إذا حضر سأخبره أن لا يشتري أخرى. وأنني لن أبكي. هل تذكرين كيف كانت تبكي جدتي؟ لقد أخبرتكِ من قبل. ارتمت فوق قبر جدي برداءها الأسود وبكت. وبكيت أنا أيضاً. أبي لم يبك. أو ربما بكى كما تفعل الدمى، مثلك عندما لا تسقط الدموع من عينيك ولا يصدر عنك أي صوت. أنا لا أستطيع أن أفعل ذلك. كنت أبكي بجنون. لأنني أدركت أن جدي لن يمسك بعكازه بشكل أفقي مرة أخرى ليسألني" مريم، هل تستطيعين أن تقولي لي كم هو طول عكازي؟"
فأقول " سبعة يا جدي، سبعة"
عندها كان يقول" لا، إنها خمسة يا صغيرتي"
وكنت أقول "بل سبعة"
وكان يقول " عشرة ونصف.. وقليل"
وكنت أصّر " لا، هي سبعة"
وكان يقول " قيسيها وسنرى" وكنت أفعل. كان يظن أنني لا أعرف أنه بمجرد أن تلمس يدي طرف عكازه كان يمسك بي ويجلسني على ركبتيه. وكان ذلك يسعدني. كنت أدفع بيدي داخل جيب صديريته وأخرج ساعته. وكان جدي حينها يفتح غطاءها ويضعها على أذني.
كنت أقول له " يداك عجوزة يا جدي"
وكان يجيب " لأنها كذلك.. إنها عجوز"
كان ظاهر يده يبدو غريباً مثل وجهه. قال " إنه خطأهم". كان يعني بذلك عقارب الساعة، عنى بذلك العقرب الأحمر الذي كان يدور بشكل أسرع من العقارب الأخرى. أين هي تلك الساعة الآن؟ هل دفنوها مع جدي؟ قد لا تعرفين. ماذا عنكِ يا دوارفي؟ لنفترض أنك كنت أنت من يستمر في الذهاب والأياب. هو ذاك، الآن اذهبي لتلك الجهة، والآن تعالي لهذا الجانب. لا تفعلي ذلك مراراً بحيث يصاب رأسك بالدوار، فهمتِ؟ كان أبي على الجهة الثانية. لم أعرفه.
دوارفي قفي هنا، هذا يعني أن تستمري بالذهاب والإياب. كانت أمي تمسك بيدي عندما قالت
" لماذا تريدين عود الثقاب يا بنت؟"
قلت " لا أدري"
لكنني الآن أعرف. أضع الأعواد بجانب بعضها. هذا واحد، وذاك اثنان. أنا وأمي على هذا الجانب من الأعواد وأبي على الجانب الآخر. وأنت يا دوارفي مكانك بالوسط بيننا. الآن الموجودين على هذا الجانب هم نحن وعلينا الهجوم. والذين يوجدون على الجانب الآخر من أعواد الثقاب عليهم أن يصرخوا. صاح والدي: " كيف حال مريمتي؟" أرسلي قبلة لبابا."
والآن يا دوارفي اقتربي إلى جانبي هنا حتى لا يرى والدي أنني أرسلت له قبلة. قال والدي.. لا أذكر ماذا قال. كانت أمي ممسكة بيدي. قال والدي " يجب أن لا تبكي ابنتي ؟"
" حسناً، أنا بخير"
أبي لم يكن يشبه أبي على الإطلاق. كما أن دوارفي لا تشبه أبي على الإطلاق، لو لم تقم ميهري المشاكسة بكسر لعبتي الزجاجية لوضعتها في الجهة الأخرى بدلاً من أبي إلى جانب الآخرين الموجودين على ذلك الجانب.. بجانب أبي. قالت أمي " اياك أن تذكري لعبتك"
سألتها " أمي، أين أبي إذاً ؟".
" ها هو. خلف ذلك الرجل. إنه يقترب.
قالت أمي "لا تنسي ما قلته لك، فهمتِ؟"
" لم يكن أبي، كان يبدو غريباً. عرفته من ضحكته. قال أبي "مريم، أرسلي قبلة لوالدك."
لم يكلمني منذئذ. كان يتحدث مع والدتي. والآن يجب على الدمية المصنوعة من الزجاج الصيني أن تقول" عصمت، لا أريد منك أبداً أن تتسولي من هؤلاء الناس" عندها عليها أن تصيح وتكرر وتؤشر باتجاه دوارفي. وعليك أن تقولي " وماذا بعد؟ ماذا سيحصل لك؟" بعدها قال أبي " ماذا سيكون ماذا؟.. الأمر واضح، مهما حصل يجب أن لا تسمحي للطفلة بأن تشتهي شيئاً" كان يقصدني.
بعد ذلك لا أدري ماذا قالت والدتي. كانت تصرخ. الجميع كانوا يصرخون. كان هناك ضجيج شديد وكان الجميع يصيحون تماماً كما كان يحصل عندما كان حسن المشاغب ينفخ في بوقه. ومهما صرخت جدتي لم يستطع أحد أن يفهم من الذي كان يتكلم وماذا كان يقول. ربما كان يقول " عصمت، امسحي دموعك. لا أريدهم أن يروكِ باكية" وكان عليها أن تشير باتجاه دوارفي مرة أخرى. لم أر إن كانت أمي تبكي. قلت " ماما، أريدك أن تحمليني."
ردت أمي.. لا أدري، لا أذكر. لم أكن متعبة. كنت أريد أن أرى فقط إن كانت أمي تبكي، هل كنت سأبكي أنا أيضاً. مسحت أمي عينيها، هكذا. الآن يا دوارفي قفي أمامنا، أنا وأمي وبقية الواقفين جميعاً في هذا الجانب. مدي ذراعيك هكذا. والآن قولي بصوت مرتفع: سيداتي انتهى الوقت، رجاء أن تغادروا. والآن التفتي وقولي ذات الشيء لأبي والبقية. تكلمي، قولي شيئاً يجعلهم جميعاً يغادرون.
فقد أبي بعض الوزن، لكنه ضحك كما كان يفعل عندما كان يحملني ويدغدغني تحت إبطي. هكذا. الآن لم أعد أستطيع الضحك. الخال ناصر شدّ أذن ميهيري المشاغبة وقال " ماذا كنت تريدين من ألعاب مريم؟"
تستحق ذلك. لو كانت لعبتي الزجاجية هنا، لو لم تكسرها ميهيري، لالتفتت وحركت ذراعيها الآن. علي أن أفعل مثلها، هكذا. وبعد ذلك أبكي. أبي كان يود الحضور لكنه لم يستطع.
دوارفي اذهبي أنت إلى الجهة الأخرى ولا تدعي أبي يغادر. قالت أمي " ألم يقل لك والدكِ أن لا تبكي؟"
أردت ذلك. كنت دائماً أطيع كلام والدي. إذا عاد، حتى لو شدّ أذني كما يفعل خالي ناصر لن أبكي، ولن أضرب بابا أبداً مهما حصل.
كان يقول، " اضربي."
كنت أضرب أذنيه. وكان يضحك ويقول " اضربي بقوة"
كنت أضرب الجهة الأولى، ثم الأخرى هكذا. دوارفي، لقد سقطتِ. والدي لم يكن يسقط أبداً. انهضي. أنا أضرب بنعومة بأصابعي. سأضرب أبي هكذا إذا عاد. ربما كان قد شعر بالألم.
كانت جدتي تقول دائماً " يا إلهي يا عظيم ماذا سيحدث لابني إذا قال الحقيقة؟" فسألت " ماذا يقولون؟"
نهرتها أمي" جدة، تقولين هذه الأشياء أمام مريم؟"
أمي سيئة، لكن ليس دائماً، هي سيئة فقط عندما لا تسمح للجدة بالكلام، خصوصاً عندما تتحدث عن أبي .. عندما تصرخ فيها " جدّة".
كما تفعل هذا عندما تبكي جدتي. لكنها في مرة أجهشت بالبكاء أثناء وجودي. عندما جاء الخال ناصر. دوارفي كوني أنت الآن الخال ناصر. تعالي هنا. عليكِ أن تقفي إلى جانب الباب بمجرد دخولك المنزل. تعالي وامسكي بهذه الورقة في يدك وكأنها صحيفة.
قالت أمي " الآن بما أنك مصّر، افتح الباب بنفسك"
والآن على دوارفي أن تلقي بها أرضاً بمجرد أن ترى أمي، هكذا. افعلي ذلك أنتِ أيضاً، ارميها بقوة. لكنك لا تستطيعين. انظري، عليكِ أن تضربي رأسك بكلتا يديك بشدة وأن تجلسي على الأرض مثلي، مثل أمي. اجلسي وقولي " أي حظ سيء أصابني يا أخي؟"
دوارفي ، ناوليني الصحيفة.
استمرت والدتي بتقليب صفحات الجريدة هكذا. كانت تقول ويداها ترتعش " أين الموضوع ؟"
ركض الخال ناصر لغرفة الجدة.
الآن اقرأيه، لا أدري ماذا. قولي أي شيء كما يفعلون على الراديو، أو كما يظهر في جهاز تلفاز خالي ناصر. يجلسون هكذا، ويستمرون بالحديث. تقول أمي " إنهم يقرأون من أوراق مكتوبة مسبقاً. هذا ما يفعلونه، هل ترين كيف يستمرون بالنظر إلى أسفل" لا نستطيع رؤية ذلك، لكن ربما هذا ما يفعلونه. أمي لن تكذب.. لكنها تكذب: ألم تكن هي من قالت أن أبي ذهب إلى مدينة عبدان ليشتري لي دمية، لكن كما تعلمين نستطيع أن نشتريها من هنا، أليس كذلك؟
قال خالي ناصر" سأشتري لها واحدة بنفسي"
قلت " لا أريدها"
كنت أريدها لو اشتراها أبي، لو عاد أبي، لكنه لن يعود. وإلا لماذا بكت أمي؟ كانت تقرأ وتبكي. أحياناً كانوا يبتسمون عند قراءة الصحيفة هكذا، لكن لا أستطيع الان أن أبتسم مثلهم، وأمي لا تستطيع ذلك أيضاً. في المساء جاء خالي ناصر وداعب رأسي وشعري. أنت دوارفي لا أريدك ان تداعبي رأسي، خالي ناصر فعل ذلك بطريقة غريبة. لم ارده أن يفعل ذلك، ليس لأنه بعثر شعري مثل تلك المرأة.
لا تعبسي يا دوارفي. الآن أنت ذلك الرجل، طاولتك هنا، طاولة كبيرة جداً، لا أعرف ماذا.. لكن أشياء كثيرة موجودة على الطاولة.
أنا وأمي وجدتي دخلنا الغرفة. الخال ناصر لم يأت معنا، قال " اذهبوا سأنتظركم في محل المثلجات"
قلت" أريد أن أذهب مع خالي ناصر أيضاً"
لم أرد مثلجات. قال والدي " لا تقولي هذا أبداً"
قالت أمي " عليكِ أن تأتي معنا، هل تفهمين؟ لا تنسي أن تقولي للرجل أريد ابي"
قال خالي ناصر" نعم يا عزيزتي، عندما تعودين سأشتري لك حصتين من المثلجات"
قلت " أريدها الآن"
نهرتني أمي " مريم"
وأنتِ قولي بصوت مرتفع " مريم".. امسكي بقبضتي واسحبيني وبعد ذلك اطرقي بها الباب، باب كبير. الآن تعالي لحظة يا دوارفي. انظري من خلال الثقب في يدي إلى أمي، وإليّ أنا أيضاً، وقولي أشياء مثلما تقول جدتي، أشياء أستطيع أن أفهمها أنا أيضاً، وكأنما أنت وأمي وجدتي وأنا ذهبنا لرؤية والدي. قولي شيئاً.
عندما فتح الباب دخلنا. قال ذلك الرجل شيئاً لا أدري ماذا قال، كان طويلاً، أطول من أمي بكثير، وكان سمين كذلك، قالت جدتي " ابني المسكين". قالت ذلك بصوت خافت، والآن يادوارفي كوني أنتِ ذلك الرجل، طويلة وضخمة جداً جداً، ولك شاربين أيضاً. ابتسمي وقولي " انتظروا في الغرفة الأخرى رجاء" بعد ذلك جاءت امرأة جميلة مثل لعبتي الزجاجية.
لا، تلك اللعبة هي والدي لأنها لم تعد كما كانت، فهي إذاً أبي، تلك المرأة ما زالت موجودة بالتأكيد، كانت مثل المرأة التي تتحدث في التلفاز، لا بل مثل أولئك الذين يقرأون من الصحف ويبتسمون كثيراً. كانت أمي تبكي، أعني ذلك اليوم. لقد قلت لك مسبقاً أن المرأة جاءت وقالت " اسمحن لي سيداتي" وبعدها قالت أشياء أخرى، في البداية وضعت يديها على ثديي جدتي. قالت جدتي " لكن سيدتي أنا.."
قالت أمي " جدة"
قالت ذلك بصوت منخفض لكن وجهها بدا وكأنها قالت ذلك بصوت مرتفع مثلما كانت تفعل عندما كانت توبخني، لم تعد تفعل ذلك. كنت أتمنى لو أنها فعلت.. حتى لو ضربتني على ظاهر يدي مرتين لن ابكي. لم توبخني حتى عندما أخذت أحد كتب والدي، أخذته مني فقط وأعادته إلى مكانه. وقالت " قولي يا مريم أنك لن تلمسي حاجيات والدك مرة أخرى" أردت أن أقول لها " لكن بابا لن يعود" لكنني لم أفعل، ظننت أنني إن لم أقل ذلك سوف يعود بالتأكيد، وإذا لمست كتبه أو إذا مزقت واحد منها فقط سوف يظهر.
كان يمسك بأذني لكنه لم يشدّهما بقوة، ويقول بلطف " يوماً ما سيقوم بابا بقطع أذني صغيرته ويضعها في يدها"
وكان يقول " إذا لم تكوني مطيعة أو أصرّيت على الذهاب معه سيمسك بابا بهتين الأذنين "..
في يوم ما فعل هذا لكنه مهما حاول أن يبدو شرساً لم يستطع ذلك. خالي ناصر كان يستطيع أن يفعل ذلك رغم أنه لم يعد يستطيع. كان يشد أذني ميهيري لكن بابا لم يستطع، وبعدها كانا يضحكان. ضحكنا جميعاً لأنني كنت أشد أذني والدي وكانت أذنيه صغيرة.
أخبريني يا دوارفي: " ما هو اسمك؟"
جدتي الثرثارة أجابت " مريم" عندها جاء رجل بالشاي لم يحضر لي شيء ، لكنني لم أمانع. ستقول جدتي الآن أشياء لن أفهمها. قوليها، تحدثي عن والدي، قولي " على أي حال يا سيدي هؤلاء شباب، قاموا بقراءة أشياء"
كانت تقصد بذلك أبي.
بدا وجه أمي غريباً. دوارفي يجب أن لا تنظري، قفي مقابل الجدة، يجب أن تحملي كوبك من الشاي أيضاً وقولي " الأمر يعتمد عليهم. وقت حضورهم. لا أدري، كان يقول في الصحيفة. أظنه أراد والدي أن يذهب. اجلسي هكذا وانظري للصحيفة خلسة وتكلمي باستمرار. تحدثي الآن وتكلمي مثل والدتي، قولي أشياء عن والدي، أشياء لا تفهمها جدتي. الآن على دوارفي أن تقول " حسناً، اذهب غداً وخذ معك الطفلة إن شئت، قد يقبلوا بها"
ضربتني جدتي بهذا الجزء من ذراعها، علمت لماذا فعلت هذا، طأطأت برأسي والجدة ضربت، ضربت بقوة. نظرت اليها فإذا بها تغيّر معالم وجهها بحيث لم أستطع رؤية شيء منه سوى أنفها.
الآن عليّ أن أقول لدوارفي " سيدي ، أريد أبي "
وعلى دوارفي أن ترد " اذهبي وشاهديه يا عزيزتي لكن لا تنسي أن تسأليه " متى تنوي العودة للبيت يا أبي؟"
قالت أمي " ماذا إذا لم يوافق؟"
عليك يا دوارفي أن تفهمي أن أمي كانت تقصد أبي بحديثها
الآن قولي " اقنعيه، كرري عليه الكلام حتى يفهم"
لم تقل أمي شيئاً آخر.
قالت جدتي " إنه يقصد ابني"
دوارفي قولي " لا"، في البداية عليه ان يعقد يديه خلف ظهره وان يتجه إلى مكتبه ويقول " حسناً، حسناً لا أدري ماذا أقول"
والآن يا دوارفي لنتخيّل أننا مغادرون فعلاً أمي وجدتي وأنا، اقتربي ، انحني وقولي بصوت خافت " لم تخبريني ما هو اسمك أيتها البنت الجميلة؟"
بعدها قولي : أنه يجب عليكِ أن تذهبي غداً لرؤية والدك
لم يكن أبي هناك، لم يأت. والآن عليّ أن أقول " أمي لماذا لم يأت أبي؟"
فتقول " لا أدري، يبدو أنه أصبح يكرهني"
لماذا يا أمي؟
قولي " بابا طيب يا ماما"
" بل هو سيء لأنه يكرهني" قالت ذلك والدتي ولم تتفوه بشيء آخر، قامت بمسح عينيها فقط.
لم تذهب جدتي، لم تستطع ذلك لأنها مريضة ترقد في الفراش وتشتكي طوال الوقت، كانت ساقيها تؤلمانها.
كان الخال ناصر يجلس إلى جانب سريرها ويتحدث معها، ولا يأتي بمهيري المشاغبه معه، وعنما كنت أذهب لرؤية جدتي كانا يتوقفان عن الحديث. الآن على دوارفي أن تقول " لا، لا تقوليها. وسوف أقولها بدلاً من العم ناصر " إنه غداً يا أمي، غداً"
يجب أن تقول جدتي عندها " ليتني أستطيع رؤيته. أخشى أن أموت قبل رؤيته"
فتقول أمي " لا تتفوهي بمثل هذا الكلام يا جدة"
قالت جدتي " أنا متيقنة من انني لن أراه"
عندما رأتني أمي توقفت عن البكاء، لم تكن تبكي على جدتي، كانت تبكي على أبي.
قال الخال ناصر" لا يسمحون لأحد بالذهاب هناك لكن قد أذهب لرؤيته أنا ونسيبتي
قالت أمي " أخي"
لم تقلها بصوت مرتفع، قال الخال ناصر " أيتها الشيطانة الصغيرة، هل كنت هنا طيلة الوقت؟"
قلت " سآتي أنا أيضاً"
والآن أمي تقول " مريم؟"
لو لم تقل هذا لأخذوني معهم لكنهم لم يفعلوا
قال الخال ناصر" إذا كنت مطيعة سأشتري لك لعبة كبيرة"
لم يكن والدي يقول " إذا كنت مطيعة" بل كان يقول " ماذا تريدين أن يكون شكلها؟"
أجبت" مثل تلك، أريد لعبتي" قال والدي " إذا أصلحوها ستبدو بشعة"
قالت جدتي حينها " هل رأيته؟"
رد الخال ناصر"رأيته للحظة، لقد بدا بخير"
سألت " هل كان على رأسه شعر؟"
قال " نعم يا عزيزتي، وقال لي على الخال ناصر أن يقطع أذني مريم ويضعهما في يدها"
عندما جلس مقابلي هكذا قالت المرأة " هل تسمحين أيتها الآنسة الصغيرة؟"
قالت جدتي " لماذا؟ .. هي أيضاً؟"
ردت أمي مرة أخرى " جدّة، ألم تسمعي ما قالته السيدة؟"
عندها دفعت المرأة يدها في شعري تفتشه، كانت أمي قد ضفرته ورفعته فوق رأسي، كنت في منتهى الجمال لذلك قبلـّتني السيدة. بعدها دفعت يدها.. أترين؟ لنفترض الآن أنني أنا تلك المرأة، إذا دفعت يدي تحت تنورتك هل سيعجبك ذلك؟ لقد فعلت ذلك بأمي أيضاً، ولجدتي كذلك، قالت الجدة " أستغفر الله"
أمي لم تقل " جدّة" رغم أنه كان عليها ان تقول ذلك
قالت المرأة " أيتها الصغيرة، أنت جميلة جداً، هل تذهبين إلى المدرسة؟"
ردت أمي : لا، ستذهب في العام المقبل
لم يكن ذلك من شأنها. سأضع كتبي في حقيبتي وسوف أصنع وردة من شريط أحمر أضعها في شعري مثل مهيري ابنة خالي ناصر، سوف يعجب والدتي ذلك. إنني أستطيع العد حتى الخمسين.
والدي علمني ذلك، واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة. قال أبي " سوف تصبح ابنتي رسّامة، سوف تجلس إلى مكتبها وترسم أثناء انشغال بابا إلى أن ينهي عمله"
بعد ذلك جلس إلى مكتبه وقرأ، ومهما كان عدد المرات التي قلت فيها "بابا" لم يكن يسمعني. كان يسمعني فقط عندما أصيح " أبي، أبي" كان يخلع نظارته ويقول " ما الأمر يا عزيزتي؟"
أقول " هل ترى ما رسمته يا أبي؟"
ويقول " دعيني أرى"
كانت جدتي تقول لي " إذا قمت برسم صورتي مرة أخرى سأحرق والدك" كانت تظن أن بإمكانها أن تفعل شيئاً كهذا، وكان أبي يضحك ويطلع الخال ناصر على ما رسمته. الرسم ليس صعباً إن كان هكذا.. هذا يعني بطن الجدة، وهذا رأسها، وهذه عيناها،فمها يجب أن يكون كبيراً جداً مما يعني أنها كانت توبخني. كان أبي يقول " أين أنفها؟" وكنت أجيبه فمها كبير جداً بحيث لا يمكن رؤية أنفها.
دوارفي.. لنفترض أنك تجلسين على مكتبك، وهذه ماما. انتظري سأرسم يد الجدة، كانت يدي في يد الجدة، والآن يا دوارفي انهضي من خلف مكتبك، اقتربي وابتسمي وقولي أهلاً لجدتي وأمي. وبعدها انحني وأقرصي خدي هكذا. لم يؤلمني ذلك لكن رغم هذا لم يعد يروق لي أن تفعلي ذلك أيضاً.
كنت أضع يداي على أذني وأهرب وكان والدي يضحك ويلحق بي.
على جدتي الآن أن تقول " لماذا لم يسمحوا لك بالدخول؟"
قال خالي ناصر " لقد حاصروا المكان ولم يسمحوا لأحد بالدخول"
سألته " ماذا تعني كلمة حاصروا؟"
لم يجبني الخال ناصر لكن لا يهمني ذلك فأنا أعرف لوحدي، لا غرابة أن كان هناك عشرون، لا بل أربعون شخصاً مثل الأقزام. قفي هناك يا دوارفي. وواحد هنا، وعديدون هناك، لو كانت الدمية الزجاجية موجودة لكان عليها أن تقف في الوسط. لقد ألقت بها مهيري على الأرض عمداً، أنا أعرف أنها تعمدت ذلك.
قال الخال ناصر " سوف يكتبون ذلك في صحف الغد"
قالت أمي " لا أظن ذلك"
وقالت جدتي " لو لم تؤلمني ساقاي.. لو كنت أستطيع.."
لم تعد جدتي قادرة على النهوض، أتمنى لوكانت تستطيع ذلك. كان خالي ناصر وأمي يمسكان بيديها مثل دميتي الزجاجية التي كسرت ساقيها، وكان رأسها قد تكسّر إلى ثلاث قطع.
قال أبي " ارميها في سلة النفايات"
سألته " هل ماتت؟"
أجابني " الدمى لا تموت يا عزيزتي، إنها تنكسر"
" لا، إنها تموت، لعبتي ماتت كما مات جدي"
لقد دفنتها في الحديقة، حفرت حفرة صغيرة وقمت بلفـّها بمنديل أبيض وقمت بدفنها، ورششت عليها الماء. بعد ذلك قطعت بضع زهرات وقطفت بتلاتها ونثرتها على قبرها. لو كان جدي على قيد الحياة لما سمح لي بفعل ذلك. جلس رجل الى جانب قبر جدي، كان يقرأ من كتاب، لكنني لم أفهم شيئاً، كان يقرأ بسرعة ويهز رأسه. ليس لدينا زهوراً، عندما كان جدي على قيد الحياة كان لدينا أزهاراً. قالت جدتي " ذهبت أخته وجمعت عظامه وغسلتها بماء الورد ودفنتها تحت شجيرة الورد، ثم تحول إلى عندليب وطار. ذهب العندليب وجلس.. لا أستطيع أن أخبرك بقية القصة الآن. كانت جدتي تبدو حزينة. قال خالي ناصر " لا تبكي يا أمي سيمكث هناك بضعة سنوات ثم سيطلقون سراحه"
سألته أمي " كم سنة؟"
قولي " كم سنة؟" وبعدها اركضي إلى الغرفة الأخرى. أنا أريد أن أبكي أيضاً لكن والدي قال لي " لا تبكي". قال والدي " يجب أن لا تسأل مريم عن أبيها، يجب أن لا تسأل هؤلاء" قال هذا في اليوم الذي لم يكن يشبه فيه أبي، كان يشبه دميتي الزجاجية التي كسرتها ميهري، كان وجهه يبدو غريباً. ألقت والدتي بنفسها على السرير. وقال خالي ناصر شيئاً قالته أمي، قوليه أنت أيضاً. لا، لا تقوليه. لأن أمي قالت شيئاً سيئاً. أمي سيئة حقاً، أحياناً تكون سيئة عندما تكون غاضبة من خالي ناصر عندما يقول شيئاً عن والدي.
كان أبي عظيماً، كان يرفعني على كتفيه ويقول " على حبيبتي مريم أن تجلس على كتفي بابا وتغلق عينيها ايضاً .. هكذا، وكنت أغمض عيني وأتسلق كتفيه وأفتحهما بعد أن أجلس عليها.
قالت لي أمي " كنت تصلين هناك قرب المصباح"
في مرة رآني خالي ناصر وسألني " ماذا تفعلين هناك يا بنت؟" بعدها توقفوا عن الحديث. لو تحدثوا.. لو تكلموا أثناء وجودي.. لعاد والدي.
أبي مثل دمية الزجاج تحطم إلى قطع. أنت سيئة لذلك قمت بإزالة ساقيك، وسحبت ذراعيك، وقطعت رأسك ولن أقوم بدفنك كما دفنت دميتي الزجاجية تحت شجيرة الورد، سوف ألقي بك في سلة النفايات ولن ابكي عليك دمعة واحدة، لكنني لا أستطيع السيطرة على دموعي.



تعريف بالكاتب والروائي والقاص الإيراني هوشانغ غولشيري

طبعت قصة " دميتي الزجاجية" عام 1985 وهي من ضمن مجموعة قصصية بعنوان " مذبحي الصغير" للقاص والروائي الإيراني هوشانغ غولشيري (1937 – 2000 ) الذي تميزت كتاباته بالتأثير في جيل الشباب. هوشانغ غولشيري من أكثر الروائيين الإيرانيين شجاعة وممن تصدوا للاستبداد على مدى أكثر من ثلاثة عقود، توفي عن 63 عاماً قام خلالها بتأليف أفضل روايات وقصص قصيرة في تاريخ الأدب الإيراني الحديث. رغم أنه دفع أثناء أوقات عصيبة رغم إرادته باتجاه السياسة حيث قام بتنظيم الكتـّاب الشباب ضد رقابة الشاه كما فعل ذلك ضد الحكومة الإسلامية التي أعقبت عهد الشاه وكنتيجة لذلك اضطهد من قبل النظامين.
ولد غولشيري في عائلة من الطبقة المتوسطة في منطقة أصفهان الصناعية ذات العراقة التاريخية. أثرت في مسيرة حياته في سنوات عشرينياته المبكرة أحداث حولت اهتمامه لينصب على الأدب، حيث تعرف إلى مجموعة من شباب أصفهان المفتونين بموجة الأدب الفرنسي الحديث الذي شاع بعد الحرب، كما ارتبط بعلاقة حب مع معلمة لغة انجليزية في المدينة. لكن التأثير الرئيسي في توجهه للأدب كان من خلال زوجته الناقدة الأدبية والمترجمة فرزانه طاهري.
كتب غولشيري أولى مجموعاته القصصية التي حملت عنوان " كالعادة " ناقش من خلالها الحياة الباردة والمملة للعاملين في الوظائف في مدينة صغيرة أواخر الستينيات. لكن أشهر رواياته نشرها عام 1968 وكانت بعنوان " الأميرة احتجاب" والتي تحولت فيما بعد إلى فيلم مشهور. كان غولشيري من أول الأدباء الإيرانيين الذين طبقوا أساليب الكتابة العصرية في إبداعاتهم الأدبية، كما صور من خلالها وبكل مهارة نهاية وفناء طبقة الأرستقراطية الإيرانية. أسلوبه ومقدرته على كتابة القصة وتمكنه من أدوات كتابة الأدب الفارسي إضافة إلى مهارته في كتابة الأدب الكلاسيكي جذبت إليه القراء من مختلف الشرائح، إضافة لنخبة المثقفين.
في عام 1975 كان السجناء السياسيين مصدر إلهام لقصصه القصيرة مثل قصة " غرفة صلاتي الصغيرة" والتي ناقشت كيف يقوم الاستبداد بالتأثير على كل من المضطهِـِد والمضطـَهد. وفي أعمال أخرى طرح قضية كرامة المثقفين الذين وضعوا أنفسهم في خدمة نظام الشاه. وأشار النقاد أنه وقبل وقوع الثورة الإسلامية عام 1979 كان غولشيري قد استشرف قدوم الأصولية إلى ايران وكتب عنها في روايته " الراعي والخراف التائهة".
رجال الدولة المتدينون شعروا بالعداء تجاه معظم كتابات الأدب الحديث، وقال آية الله خميني أن الأقلام التي لا تكتب من أجل خدمة القيم الإسلامية يجب كسرها. وكان أن منع تداول معظم كتابات غولشيري حتى سنوات قليلة ماضية كما كان محظور عليه نشر كتب جديدة. عانى غولشيري من الضغط الإجتماعي إضافة إلى إجراءات الشاه شديدة القسوة.
تخلى غولشيري مؤقتاً عن كتابة الروايات واهتم بحملة لتعزيز حرية التعبير عن الرأي. وأنشأ صفوفاً خاصة لتعليم وتوجيه الجيل الجديد من الكتـّاب، لكنه تعرض لتحرشات السلطات التي حققت معه حول جهوده بنيـّة تأسيس مؤسسة مستقلة للكتـّاب، واتهم على شاشات التلفاز بأنه مدعوم مالياً من جهات أجنبية، كما تطفـّلت الصحافة على حياته الخاصة واتهمته بعلاقات مع السفارات الأجنبية.
العيش تحت مثل هذه الظروف كان لها صداها المدمر على صحته وإنتاجه الإبداعي الأدبي، وأصبحت الكتابة تحت التهديد المستمر لحياته هي صراعه وجهاده اليومي المتواصل.غادر غولشيري ايران عدة مرات لإكمال أفضل أعماله وآخرها وهو " كتاب الجن" الذي قام بنشره في الخارج. في عام 1990 قام بتهريب روايته التي حملت عنوان " ملك الذين داهمهم الظلام" إلى الولايات المتحدة الأمريكية ونشرها بالإنجليزية تحت اسم مستعار ولم يكشف عن الإسم الحقيقي للمؤلف إلا بعد وفاته.. في آخر أعماله قام غولشيري بكتابة تصوّر خيالي عن حياة للمتطرفين المتدينين الذين أرادوا العودة إلى العصور الوسطى.
في عام 1998 دفع اثنان من الكتاب العلمانيين الإيرانيين ثمن دفاعهما عن حقوق الإنسان حيث تعرضا للاغتيال، فكانت كلمة رثاء غولشيري بجانب قبريهما إحدى أكثر الخطابات جرأة في السنوات الأخيرة.
رغم كل ما ذكر لم يكن غولشيري يسمح للغضب بأن يتسلل إلى كتاباته الأدبية ليحولها إلى شعارات، كان يتمتع بحس دعابة قوي وكانت معنوياته دائماً عاليه. منحته ألمانيا جائزة ايريك ماريا ريمارك عام 1999 لجهوده في محاربة الاضطهاد ودعم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
توفي هوشانغ غولشيري في 5 يونيو 2000.








© 2010 by Iqbal Tamimi




Tweet This!

Labels: , , ,

0 Comments:

Post a Comment

<< Home